
كلمة العدد 1442.. “الأصولية الدينية والحرية”
هل الخوف من الحرية، هو الطريق للأصولية الدينية؟؟ ففي هذا الزمان، زمن داعش والقاعدة والإخوان وبوكو حرام وجماعة الشباب وجبهة النصرة وحزب الله والحوثى وحماس، هذه الجماعات التي أعتمدت الدين وسيلة لم يعد الإيمان فيها جميعا هو رحلة بحث عن المعنى والحقيقة، بل تحول إلى جدار يحمي من القلق والضياع، يجد الكثيرون في العقيدة الصارمة ملازاً آمناً من حيرة الأسئلة وصعوبة الحرية، فحين يتعب الإنسان من التفكير يصبح مستعدًا لتسليم عقله لمن يمنحه الشعور بالأمان، فالأصولية لا تبدأ رحلتها في النصوص، بل في الخوف من الضياع، في تلك اللحظة التي يختلط فيها الإيمان باليقين وتتوه معها الهوية، وهنا تعرف الحركات الأصولية كيف تستثمر هذا الاضطراب النفسي، فهي لا تقدم فكرة، بقدر ما تقدم طمأنينة تمنح اتباعها يقينا جاهزًا ونظامًا مغلقًا يريح اتباعها من عناء الشك والاختيار، اذ لا يحتاج المرء داخل جماعتهم إلى التفكير فالعقيدة تختار له مكانه والزعيم يفسر له العالم والمقدس يبرر له كل شئ.
وهكذا يجد الإنسان نفسه في حضن جماعي يمنحه الشعور بالانتماء والطمأنينة وبهذه الطريقة يتكرس لديه سيكولوجية الطاعة، فالخضوع ليس مجرد سلوك سياسي، بل حالة نفسية عميقة تبحث الجماهير فيها عن قائد لأنها تخاف مواجهة نفسها، فالقائد ليس زعيم حسب التصور الأصولي، بل هو رمز الخلاص وامتداد للأب الغائب والإله البعيد وهنا تتحول الطاعة إلى عبادة.
والعنف طقس جماعي مبرر باسم الجماعة، والانتماء إلى الجماعة وحب الله ………
الأصولية تسير في قطبين متناقضين هما (الخوف والأمل) الخوف من الآخر من الغرب مثلا ومن المرأة ومن الفكر الحر، لكن الأمل في استعادة مجد قديم أو هوية ضائعة وهذا التوتر النفسي يولد حماسة واستعداد للتضحية فكلما زاد الخوف، زادت الحاجة إلى اليقين الذي يقدمه القائد أو النص الديني حتى لو كان زائف.
فالعقل المزعور لا يبحث عن الحقيقة، بل يبحث عن الطمأنينة، فقوة الأصولية في الاعتماد على فكرة التفوق أو الإسطفاء فهي تقنع أصحابها بأنهم خير أمة وأن العالم خارجهم تهديد أو نجاسة، أنها نرجسية جماعية تتغدى من الشعور بالاضطهاد، حيث يصبح النقد خيانة والاختلاف كفرًا والسؤال مؤامرة ويختزل العالم إلى نحن وهم وإلى مؤمن وكافر وطاهر ونجس.
عالمهم يخدعك بمعتقداته، متماسك لكن في العمق هش لأن ما يمسكه ليس الإيمان، بل الخوف …..
وتاريخيًا ظهرت الأصولية كرد فعل على الهزيمة أمام الحداثة بعد فشل المشاريع الوطنية في بناء ذات واثقة فلجأ الناس إلى الماضي يبحث عن هوية وأمان ويبحث عن الطمأنينة (إنسانها إبن الخيبة أو إبن الفشل) والأصولية جماعة تنشأ من الإحباط وفقدان المعنى ومواجهتها لاتكون أبدًا بالقمع أو التحريم ولكن بإعادة العلاقة بين الإنسان والحرية بين الإيمان والعقل، فالإيمان الحقيقي يتغذي من الشك ولايخاف منه ولا يهدد إيمانه، بل يعمقه ……
وتسقط الأصولية عندما تبدأ الأسئلة (لماذا) والحرية تهدم الأصولية لأنها تحرر الإنسان وتهدم الأسطورة، ساعتها إذن يدرك أنه من الممكن أن يعيش في مجتمع متنوع، بلا خوف ولا كراهية ويرى العالم كما هو وليس كما يملي عليه.
ولكم تحياتي
محمود صلاح قطامش




