
كلمة العدد 1432.. “إسرائيل والغموض الجغرافي”
منذ إنشاء هذا الكيان، لم تعلن إسرائيل أن لها حدودًا رسمية ينص عليها دستور مكتوب وواضح، ولكنها في الأصل قامت على الغموض الجغرافي وهو يتحول شيئا فشيئا إلى معضلة وجودية ليست دولة أو كيان طبيعي لأن حدودها تتحول إلى حدود مرنة قابلة للتمدد كلما سمحت القوة لها بذلك.
ففي اللحظة التي وصلت فيها طائراتها إلى اليمن وإلى إيران، ظهر (فائض القوة) الذي تمتع به في ظل الدعم الأمريكي والأوروبي إللا محدود، في الوقت الذي لا تستطيع الإجابة فيه على السؤال، أين تبدأ دولتكم؟ وإين تنتهي؟
فهي كيان مؤقت يعيش بين حرب وأخرى تتوقف أو تتراجع في حالة السلم وكأنها لاتستطيع العيش إلا في حالة الحرب وفي دائرة الخوف دوما تتوحد وتتوسع ٠٠٠٠٠٠
لم تحسم حدودها مع لبنان ومع فلسطين التي قامت على جزء من أراضيها ولا سوريا التي أصبحت الجولان حدودًا عسكرية لها ولا قرار لترسم هذه الدولة حدودها وبدايتها ونهايتها ٠٠٠٠
ويبدو أن المسالة ليست عسكرية. لكنها في عقولهم وعقول ساستهم الذين كانوا حبيسي فكرة التوسع منذ تاسيس دولتهم (هرتسل) كتب عن دولة لليهود لكن دون أسس لدولة تعرف حدودها النهائية، عاش فيها كل جيل على هذه الجدلية دولة لها وجود مادي لكنها بلا نهاية جغرافية، لأجل ذلك فائض القوه لا يقود إلى ترسيم حدود وواقع بل إلى مزيد من المراوغة لأن الترسيم يعني الإعتراف بأن المشروع وصل إلى نهايته٠٠٠٠
أصبح يقينا في ذهن قادتها أن القوة هي التي تمنح شرعية الحدود وليست السياسة وأصبحت إسرائيل الآن أقوى عسكريًا لكنها الأضعف سياسيًا في ظل حالة الرفض الدولي الرسمي والشعبي للممارسات التي تقوم بها في الأرض المحتلة وفي قطاع غزة والمنطقة جميعا، لكن إسرائيل لا تقرأ التاريخ جيدا ولا تستفيد من تجارب الأمم التي سبقتها، فالإمبراطورية العثمانية حكمت لقرون ولكنها إنهارت لأنها لم تتمسك بحدود سياسية ثابتة كذلك الإمبراطورية الرومانية وغيرها والدولة الأموية وصلت إلى حدود الصين ولكنها إنهارت لأنها عجزت عن بناء دولة سياسية مستقرة.
وفي وقتنا الحديث إيران تبنت فكرة تصدير الثورة والتوسع، فعجزت عن بناء دولة وطنية مستقرة وإسرائيل ليست استثناءاً ولن تكون (ففائض القوة) لن يحميها للأبد والخطر عليها ليس من قوة خصومها بل من عقول ساساتها الذين يعيشون على الغيبية التوراتية، لتظل مشروعا توسعيًا محكوم عليه بالحصار والعداء إلى أن يسقط، لأن ذلك لا يبني دولة، لكنه فقط قد يؤجل نهايتها وموتها وهو الذي سيحدث مهما طال الزمن.
ولكم تحياتي .
محمود صلاح قطامش