
كلمة العدد 1427.. “القوة فوق الشرعية”
الواقع العربي تعرض للاختبار، ليس في حدوده فقط ولكن في حقيقة جوهره ووجوده، استنادا إلى حيل سياسية مختلفة كانت تخفي خلفها الغرض الرئيسي للهيمنة والسيطرة، ففي عام 1990 اجتاح العراق الكويت مستوليا عليها متذرعا بفكرة (الضم واللحاق) ضم الفرع إلى الأصل كما كان يوصف في ذلك الوقت وهذه الفكرة وحدها كانت كافية للاعلان عن انهيار ما تبقي من قدسية الحدود في الوعي العربي حتى تلحق بها فكرة اجتياح نظام صنعاء لليمن الجنوبي في عام 1994 بحجة الوحدة من بوابة الغزو، لا من باب الوحدة الطوعية، حيث تلك التجارب العربية أعلنت عن انحدار مفهوم الدولة واطلاق وإحلال منطق (القوة فوق الشرعية) منذ ذاك الوقت.
وفي وسط نظام دولي مأزوم برزت قوى أقليمية تسعى إلى إعادة رسم الخرائط لكن في هذه المرة ليست على اساس الحق ولكن على اساس الغلبة والنفوذ وتلقى شعوب تلك الدول الضعيفة مصيرها المحتوم بأن تكون الكعكة التي يتقاسمها الكبار على موائد النظام الدولي المتقلب…..
وما تفعله إسرائيل الآن ماهو إلا استمرار لذات المنطق والنهج، فقد خاضت حروب تدميرية جعلت فيها حدود سايكس بيكو تتحرك بين سوريا ولبنان والدروز والعلويين في انتظار مصير مجهول والكرد الأن أمام قرار تركي جديد والتصريحات تتوالي عن سوريا ولبنان وطبيعة العلاقه بينهما ……..
سقط نظام بشار الأسد لتسقط معه التحالفات بجبهة الصمود والتصدي غابت معها الدولة الوطنية، الأمر الذي شرع لإسرائيل فرض أجندتها حتى تحرك خطوط المواجهة لتقوم بعمل خطوط جديدة استغلالا لحالة الفوضى لتقوم بفرض إرادتها بخطوط وهمية، لتصبح بعدها إسرائيل شريكا يرسم خرائط الحدود لتتجاوز مفهوم التطبيع إلى خيارات جديدة علينا التعامل معها في ثنائية خادعة، علينا القبول بنفوذ إيران أو بنفوذ إسرائيل أو علينا القبول بخطر أمني يهدد الأقليات في سوريا أو حماية إسرائيل لها حتى تصبح الأوطان ورقة تفاوضية وكأن تلك الدول وشعوبها لم تقدم الدماء ثمنا لحماية حدودها الوطنية …..
هذا الاستعمار الجديد الذي يفرض بخرائط جديدة يروج لقبولها تحت مسمى الواقعية السياسية لا تقرأ التاريخ، بل تدفنه ولا تحترم إرادة الشعوب ناسيا أن السيادة كما الأمن لا يمكن تجزأتها ….
نعم لبنان يحتاج لنزع سلاح حزب الله لأنه خارج سيطرة الدولة وتحتاج اليمن والعراق وسوريا إلى إصلاح في اساس حكمها ولكن لا يجوز أن يكون الثمن هو السيادة التي تطرح الآن في مزاد التسويات الأقليمية.
ولكم تحياتي
محمود صلاح قطامش