كتابات شعرية و أدبية و سياسية للشاعر

كلمة العدد 1439.. “الدين والدولة بين الفصل والخلط”

دوما كان ينظر إلى الشرق الأوسط بأنه لا يصلح إلا لإنتاج العقائد وكان ولا يزال هذا – الشرق الأوسط – مسرحا لتقلبات سياسية وتجاذبات أمنية، لا تنقطع وهي ليست نزاعات عابرة، بل تعود إلى جذور تاريخية وثقافية عميقة، ربما أهمها على طول التاريخ التجاذب المستمر بين الدين والسياسة …..

ولا يزال الجدل مستمر حول فصل الدين عند الدولة، الأمر الذي يعد من أكثر الأمور حساسية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي …..

والمسألة لا تتعلق بالإيمان ذاته، بل بكيفية إدارة العلاقة بين العقيدة والسلطة، وبين القيم الروحية ومتطلبات الحكم وبين النص الآلهي والواقع السياسي ٠٠٠٠

ففي أوروبا جاء الفصل نتيجة تجربة مريرة من الحروب الدينية التي مزقت القارة في القرون الوسطى، وجاء الحل في إنشاء دولة محايدة لا تفرض العقيدة ولا تلزم بالكفر، بل تضمن حرية الضمير ……

لكن هذه الفكرة اصطدمت في العالم العربي والإسلامي ببيئة ترى في الدين هوية اجتماعية وركيزة وجود وليس منظومة أخلاقية وروحية.

والتجارب المعاصرة تظهر أن التداخل بين الدين والسياسة عند فقدان التوازن بينهم، يؤدي إلى عبء علي الطرفين …….

ففي العراق مثلا من عام ٢٠٠٣ تم فرض نظام سياسي يقوم على المحاصصة الطائفية، فصار الولاء للطائفة أعلى من الولاء للدولة، مما أدى إلى ترسيخ الانقسام المجتمعي وتحويل المؤسسات الرسمية للدولة إلى حصص طائفية واستخدمت الشعارات الدينية لتبرير الفشل والفساد بدلا من أن يكون الدين منبعًا للقيم والمسائلة الأخلاقية…..

كذلك في لبنان كرس الدستور تقسيم السلطة على اساس ديني فجعل الطائفية هي البيئة الحاكمة والتي لا يمكن تجاوزها، والنتيجه كانت دولة عاجزة أمام زعماء الطوائف واقتصاد منهار تغذيه الولاءات الدينية بدلا من السياسات الوطنية.

 وفي تونس، حاولت النخبة السياسية تقديم نموذج متوازن انتقلت فيه القوى الإسلامية تدريجيا من الهوية الإسلامية إلى قبول قواعد الدولة المدنية، ورغم التحديات أظهرت تجربة تونس امكانية التوفيق بين القيم الدينية ومبادئ الديمقراطية ……

وفي مصر خاض الإخوان تجربة السلطه بعد ٢٠١١ فبرزت هشاشة الخلط بين الدعوة والسلطة يتحول فيها الدين حين يصبح خطابا سياسيًا إلى أداة للفرز والانقسام، مما يضعف دوره الروحي.

وخلاصة الأمر، التجربة أثبتت وأكدت أن الدولة تحتاج إلى إدارة مدنية تضع الجميع على مسافة واحدة من المعتقدات، وفي تركيا نموذج آخر انتقلت من علمانية صارمة إلى تدين سياسي متصاعد، ورغم النجاح الاقتصادي في بداية التجربة، فان الخلط بين الرمزية الدينية والسلطة المطلقة أضعفت استقلال الموسسات وأعادت النقاش حول معنى العلمانية في دولة مسلمة وهناك نماذج أخرى في إيران والسعودية وطالبان وسوريا وغيرها قدموا نماذج مختلفة بين محاولات الخلط بين الدين والسياسة.

والدراسة لهذه النماذج التي خلطت بين الدين والسياسة، لا يجعل الدولة أكثر إيماناً بل أكثر هشاشة، فحين تستخدم الدين غطاء للسلطة، يفقد الدين قداسته وحين تستخدم السلطة لحماية الدين تفقد السلطة عدالتها ونذاهتها ……

الفصل ليس دعوة إلى إبعاد الدين عن المجتمع، بل لإعادته إلى مكانه الطبيعي ضميرًا للأمة وليس دستورها ومنبع قيمها لا مصدر لقوّتها، فالدين بلا دولة يصبح رسالة، أما الدولة مع الدين تتحول إلى طائفة، فالفصل ليس خيارًا فلسفيًا، بل ضرورة وجودية لبناء دولة المواطنة وحاجة أخلاقية لحماية الدين من الاستهلاك السياسي، فالتوازن بين المقدس والمدني هو الخط الفاصل بين الإيمان والهيمنة وبين العدل والتعصب وبين الدولة التي تخدم الإنسان وتلك التي تستعبده باسم الدين.

ولكم تحياتي
محمود صلاح قطامش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى