كتابات شعرية و أدبية و سياسية للشاعر

كلمة العدد 1440.. “نعم هي حرب عالمية ثالثة!

هذه الحرب التي نحتفل بنهايتها المؤقتة أو المستدامة — حرب غزة — مع كل توابعها وصويحباتها هي بلاشك حرب عالمية ثالثة …. فيها الكثير من اللاعبين وتجاوزت الحدود والجغرافيا، تخطت الحروب التقليدية بكثافتها ورعبها ……….

هي حرب جديدة تحولت إلى حرب ضد القانون والإنسانية والمنطق في نظام عالمي انقلب على الإنسانية والعدالة والحرية والضمير …

هي حرب شعارها (أما أنا أو لا أحد) هذه ليست حرب اعتيادية وليست صراعات مسلحة أو خلافات سياسية، انفلت عيارها أو صراعات أيديولوجية … أنها حرب تسعى لتطبيع الجحيم، ليصبح القهر عادة ومنظر الدم مآلوفًا والسكوت قاعدة عامة، ليس هناك في غزة وحدها بل في كل العالم ………..

أنها حرب تغتال العدالة وتحول الميكافيلية إلى دستور عالمي تبرر القسوة وتحتفي بالدمار ………. حرب على الإنسان وروحه وقدره وإرادته وحريته …….

هي حرب تجعل من الشر وانعدام الضمير القيم السائدة ……… هي حرب ضد ما كان يوما اساسيًا أو أخلاقيًا أو فكريًا أو إنسانيًا …….

هي حرب لم تصب أصحابها المباشرون بالضرر فقط، بل تعداها وأصاب دول حولها تحاول أن تعيد ضبط توازنها فاصابتها بالإرباك وأشتد خوفها على أمنها واقتصادها وتماسكها الاجتماعي ونسيجها الفكري والإنساني ……..

هي حرب هدفها التطبيع لفكرة اللا أمان وأن الخوف من الغد جزء من روتين الحياة واللا يقين في كل شئ هو العادي والطبيعي وأن تهميش الإنسان وإسكاته أمر مفهوم وحرية الرأي والمواطنة ودولة القانون هي ترف لا مكان لها في عالم اليوم ……..

عالم يسير نحو القسوة المطلقة، صار القمع فيها مقبولا والتطرف مبررًا والظلم طبيعيًا للحفاظ على الأمن والسيادة ………

هي حرب على الوعي، حرب هجينة تجمع بين العنف المسلح والحرب الاقتصادية والإعلامية والثقافية والتجويع والذل هي أدوات للسيطرة على الوعي وإعادة تشكيل العقل الجمعي حتى تري الظلم طبيعيًا والشر معتادًا، هي حرب لهندسة المنطقة والعالم وفق مصالح لفئة بعينها أو لدولة بعينها، حتى ولو كان الثمن سحق إنسانية البشر وتدمير المجتمعات وإبادة الذاكرة ……..

حرب لتسطيح المفاهيم لتكون الحقيقة نسبية والعدالة وجهة نظر يتحول فيها الخطأ إلى سياسة والخراب إلى مشروع واليأس حالة عامة، لتصبح فيه الكراهية طبيعية وهي ضرورة أمنية أو خيارًا واقعيا ترى فيه العالم منقسما بين (من يستحق الحياة ومن لا يستحقها) لحظة من لحظات تطبيع الفوضى يكون فيها غياب القانون والرحمة والحكمة مشهدًا مألوفا لا يثير غضبا ولا استغرابًا ……

لكن هل من نجاة؟ ومن وسط هذا الخراب ومن قلب هذا العبث والجنون واللا معقول هل يمكننا النجاة؟ ربما فات الآوان – لكن نعم يمكننا الخلاص وذلك الذي يبدأ بالوعي بالرفض امسك بقلبك وعقلك وضميرك وأخلاقك، أرفض التطبيع مع الآلم، أرفض تصديق الأكاذيب، ارفض الموت واطلب الحياة، ليس لك وحدك ولكن لك وللآخرين معك، ارفض أن تصبح متفرجا على ذبح الإنسانية باسم الواقعية السياسية وباسم المصالح لا تجعل ما يحدث تقبله روحك .. …..

الحرب الحقيقية هي التي لا تطلق فيها الصواريخ والقنابل، بل تلك التي تخاض داخل الوعي وحين يهدم الوعي يهدم الإنسان ويصفي ويؤخذ منه آخر ما تبقى من إنسانية ……..

حرب غزة هي حرب عالمية ثالثة تجاوزت الجغرافيا والحدود مجنونة هدفها أنا وأنت والناس جميعا والإنسانية سلاحهم فيها الدمار والتخريب وسلاحنا فيها الوعي والرفض حتى يفيق الضمير العالمي الصامت أو يصيبه ما أصابنا من الشرر.

ولكم تحياتي
محمود صلاح قطامش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى