
كلمة العدد 1435.. “الرسالة خلف استهداف قطر”
لايمكن لأي قارئ للأحداث، أن يقرأ الضربة الإسرائيلية على قطر بمعزل عن الرسائل الغير مباشرة المتضمنة والمرسلة إلى دول الخليج والدول العربية جميعًا٠
قطر تم استهدافها وهي الحليف الأمريكي الذي يتمتع بالعلاقات الجيدة والخصوصية، حيث استهدفت وتم انتهاك سيادتها، بعد أن كان لسنوات طويلة، هناك ما يسمى (المناعة الخليجية) أمام العدوان الصهيوني، وقد كانت بمثابة خط أحمر منيع قائم على قوة الاقتصاد والتحالفات الدولية والغطاء الجيوسياسي، لكن الضربة على قطر كانت عالية المخاطر ملغومة برسائل كثيرة مبطنة وهي تشكل اختراقا مدويا لهذا الحائط المنيع ……
لم تكن غارة جوية عابرة، بل رسالة مصممة بعناية فائقة (لا أحد منكم محصن الجميع على قائمة الإستهداف وفقا للحسابات الصهيونية وحدها).
هذا التطور احدث شرخا في النظرية التقليدية التي أفترضت أن النفط والدبلوماسية والمال كفيلة بحماية الأوطان وأثبتت أن الأمان الحقيقي لا يشتري من الخارج، بل يبني من الداخل، ومن هنا يطفو علي السطح السؤال الجوهري، هل تمتلك دول الخليج اليوم أدوات الردع القادرة على التعامل مع واقع أمني جديد يتجاوز الاعتماد المطلق على الحماية الدولية؟
وهذا السؤال ليس لدول الخليج فقط، لكنه لكل الدول العربية، هل نمتلك من أدوات الردع ما يكفي لإحداث نفس القدر من الآلم للخصم عند الدفاع عن الكرامة والكبرياء الوطني لكل دولة؟؟.
التجارب التاريخية القريبة، أثبتت أن الركون إلى المظلة العسكرية الخارجية وحدها، لم تعد مجدية حتى القواعد الأجنبية تتحول إلى عبء سياسي وأمني على الدول المستضيفة بعدما باتت المنطقة ساحة لتصفية الحسابات الدولية، والخطر الآن ليس في الضربات العسكرية المباشرة ولكن في تحويل المنطقة كلها إلى مسرح مفتوح للتصعيد وتصفية الحسابات، لذلك أصبح لزاما على دول الخليج.
اكرر وأقول، أصبح هناك ضروره لتطوير منظومة الردع لتصبح منظومة مرنة تستند على أركان مترابطة، تجمع بين الردع الاقتصادي بتنويع الشراكات التجارية والاستثمارية وبين الردع الإستخباري والمخابراتي من خلال أنظمة إنذار مبكر حديثة ومشتركة، ومع الردع الدبلوماسي بعمل تحالفات أقليمية ودولية قادرة على فرض تكاليف سياسية وقانونية عالية على أي معتد، ومع الردع الاجتماعي بتحصين النسيج الوطني وتعزيز الهوية الوطنية والوعي بأهمية الأمن الداخلي لتحصين المجتمعات من الإختراق وكل ذلك يصب في خانة، هدفها سد فجوة الردع ببناء استراتيجيو متكاملة شاملة تجعل كلفة العدوان باهظة على من يفكر ………
وخلاصة القول أن الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قطر، هي جرس إنذار لكل دول الخليج والدول العربية وليس أمام الجميع إلا الاختيار بين تطوير وتنويع أدوات الردع أو الإرتهان إلى الخارج الذي يبقي المنطقة تحت رحمة التوازنات والضغوط الدولية.
ولكم تحياتي
محمود صلاح قطامش